t-karim.jpg

الاستحقاق البرلماني القادم في العراق.. دروس من تجربة انتخابات إقليم كردستان

Nov 7, 2024  |   اراء الحرة 


طلعت كريم

مع اقتراب موعد الانتخابات البرلمانية في العراق، يجد العراق نفسه أمام فرصة مهمة لتجديد ثقة الشعب بالعملية الانتخابية، استنادًا إلى تجربة انتخابات إقليم كردستان الأخيرة. ففي الإقليم، ساهمت بعض الإجراءات في إعادة جوانب مهمة من الثقة في العملية الانتخابية ورفع نسبة المشاركة لتصل إلى 70 في المائة، ما يمكن اعتباره إنجازًا ملحوظًا يستحق الوقوف عنده واستخلاص الدروس منه.

كيف أثّرت الشفافية وإعادة التنظيم على ثقة المواطن؟
كان تدخل المحكمة الاتحادية في الاقليم، بتحويل إدارة الانتخابات إلى المفوضية المستقلة العراقية، خطوة مهمة في تحسين نزاهة العملية الانتخابية. هذا القرار نقل الإشراف من هيمنة الأحزاب المحلية إلى مفوضية الانتخابات في عموم العراق، مما أعطى الناخبين شعورًا حقيقيًا بالطمأنينة، وبأن أصواتهم ستُحتسب دون تحيّز أو تلاعب.
أيضًا، كان لاعتماد البطاقة البايومترية وتنقية سجل الناخبين من أسماء الموتى أو المسجلين غير المؤهلين دورٌ مهمٌ في تقليل فرص التلاعب. فقد وفرت هذه الخطوات بيئة تصويتية أكثر نزاهة، وهو ما جعل المواطن يشعر بأن المشاركة تعني تحقيق صوته بطريقة فعّالة.

ما المطلوب لتحقيق انتخابات نزيهة
في العراق؟
تجربة الاقليم تلقي الضوء على عدة خطوات يجب أن تأخذها الجهات المسؤولة في العراق بجدية قبل دخول الاستحقاق البرلماني المقبل، لضمان بيئة انتخابية نزيهة وآمنة، وتشجيع المواطنين على المشاركة الفاعلة:

1. مع اقتراب الانتخابات البرلمانية في العراق، تصبح الحاجة ماسة لضمان نزاهة العملية الانتخابية من خلال تعزيز دور المفوضية العليا المستقلة للانتخابات، شرط أن تتمتع بالاستقلالية الحقيقية. يجب أن يكون هذا الاستقلال شاملاً ويشمل جميع التفاصيل، مع التركيز على دور الكوادر الوسطية وفروع المفوضية في إنجاز التحضيرات. تلك الفروع، في كل دورة انتخابية، لا تخلو من تأثير المحاصصة التي باتت متفشية في مؤسسات الدولة المختلفة، مما جعلها مأوى وداعماً لاستمرار قوى السلطة والفساد في إعادة إنتاج نفسها.
هذا الوضع ساهم بشكل كبير في زيادة عزوف المواطنين وفقدانهم الثقة في العملية الانتخابية، وهو ما أثبتته التجارب السابقة. لذلك، يتطلب الأمر إرادة حقيقية لتغيير هذه المعادلة. لقد حان الوقت لاستعادة ثقة الناخب، وهي رغبة ملحة تحتاج إلى خطوات جادة لتضمن إدارة العملية الانتخابية بشكل محايد ومتحرر من تأثير القوى السياسية المتنفذة، بما يحافظ على سير الانتخابات ضمن إطارها المطلوب، النزيه والمحدد.
2. من أجل توفير بيئة آمنة للناخبين وضمان الحماية الكاملة لهم من أي تهديدات أو ضغوط حزبية، خاصة في صفوف الموظفين والقوى الأمنية، تعتمد بعض الدول سياسات تمنع مشاركة أفراد القوات الأمنية والمسلحة في الانتخابات. هذه الإجراءات تهدف إلى تعزيز الشعور بالحرية لدى الناخبين وضمان استقلالية العملية الانتخابية بعيداً عن أي تأثير قد تمارسه المؤسسات العسكرية أو الأمنية. مثال على ذلك تركيا ومصر، حيث يُمنع أفراد هذه المؤسسات من التصويت أو الترشح لضمان نزاهة العملية الانتخابية وحماية قرار الناخبين ليكون حراً ومحفوظاً.
3. الشفافية والوضوح في العمليات الانتخابية من التسجيل حتى إعلان النتائج، يجب أن تُدار الانتخابات بشفافية كاملة، ما يساهم في بناء الثقة مع المواطنين، ويدفعهم للإقبال على الانتخابات وهم على يقين بأن العملية تُدار بوضوح ونزاهة.
4. اعتماد البطاقة الوطنية الموحدة
مع تجاوز نسبة الحاصلين على البطاقة الوطنية الموحدة من العراقيين 90 في المائة، يصبح من الضروري اعتمادها كشرط أساسي للتصويت. ستساهم هذه الخطوة في تعزيز نزاهة الانتخابات، حيث ستضمن وجود سجل دقيق للناخبين وتسهيل عملية التصويت. هذا الإجراء سيساعد أيضًا في تقليل فرص التزوير، ويسمح لكل عراقي بممارسة حقه الانتخابي بطريقة سهلة وآمنة.
5. الالتزام بتنفيذ البرامج الانتخابية
الانتخابات لا تنتهي عند يوم التصويت؛ بل يجب أن يشعر المواطن بأن الصوت الذي أدلى به سيترجم إلى تغيير حقيقي في السياسات والخدمات المقدمة. من المهم أن تكون البرامج الانتخابية ذات مصداقية، وأن يُلزم الفائزون أنفسهم بتطبيق ما وعدوا به.

نحو استحقاق برلماني أكثر نزاهة

في العراق

مع الأخذ بعين الاعتبار هذه الدروس، تبرز الحاجة الملحّة لتحقيق انتخابات نزيهة تعكس الإرادة الشعبية في العراق. ارتفاع نسبة المشاركة في الاقليم هو دليل على أن المواطن مستعد للمشاركة متى ما شعر بالأمان والشفافية في العملية الانتخابية.

إن الاستحقاق الانتخابي القادم يمثل فرصة لتحقيق تغيير حقيقي، ولإثبات أن العراق قادر على تقديم تجربة انتخابية تعزز من وحدة الشعب وثقته في المستقبل. إعادة الثقة بالمشاركة السياسية ليست مجرد خطوة لإجراء انتخابات ناجحة؛ بل هي بوابة نحو بناء عراق يتجه نحو الاستقرار والازدهار، ويتيح لكل مواطن فرصة للتعبير عن صوته بحرية وأمان.