علي عيسو
لم يشهد المجتمع الإيزدي عبر تاريخه الطويل انقساماً دينياً كما هو الحال في معظم الأديان الأخرى، حيث تتباين طوائف الدين الواحد في تفسيراتها ومعتقداتها.
فعلى سبيل المثال، يختلف المسلم الشيعي في تفسيره للدين الإسلامي عن المسلم السني، وكذلك ينطبق الأمر على بقية الطوائف في الأديان الأخرى، لكن في الدين الإيزدي لا توجد طوائف دينية متباينة؛ بل يشكل الإيزديون كتلة مجتمعية واحدة متجانسة في الاعتقاد الديني، وتستمد مرجعيتها من المجلس الروحاني الإيزدي في "لالش".
من هذا المنطلق، يمكننا البدء في نقد مقترح "قانون القومية الإيزدية" والتأكيد على أنه وفقاً للنصوص الدينية الإيزدية، لا يوجد نص واحد يدعم استخدام مصطلح "القومية الإيزدية". فجميع النصوص الدينية مكتوبة باللغة الكوردية، ولا توجد مرجعية دينية أو حتى تاريخية تدعم هذا المقترح. بالإضافة إلى ذلك، لم يتبنى المجلس الروحاني الإيزدي يوماً مقترح القومية الإيزدية.
رغم أن مسألة اختيار القومية تتطلب قراءة تاريخية ودينية وسياسية معمقة، إلا أن المقترح الذي تم تقديمه إلى البرلمان العراقي يفتقر إلى الأسس التاريخية والدينية والسياسية التي تدعم هذا المطلب. وبالتالي، فإن الحديث عن القومية الإيزدية قد يكون الخطوة الأولى نحو تقسيم الإيزديين دينياً قبل أن يكون سياسياً، ليصبح شأنهم شأن المجتمعات الأخرى التي تتناحر طوائفها فيما بينها.
نظراً لأن الديانة الإيزدية غير تبشيرية، فإن تسمية الإيزدي تطلق فقط على الشخص الذي ولد من أبوين إيزديين، وبالتالي فإن المصطلح يشير إلى هوية دينية غير مكتسبة. وهذا يتعارض مع مصطلح القومية الإيزدية، حيث يمكن للفرد اكتساب صفة القومية مع مرور الزمن. إذا أسقطنا مصطلح "القومية الإيزدية" على فرد غير إيزدي الديانة ولكنه يعيش منذ زمن أجداده بين مناطق الإيزدية ويشاركهم في عاداتهم وتقاليدهم ولغتهم، يمكن اعتباره من تلك القومية لأن مقومات القومية تنطبق عليه. وهكذا سيصبح إيزدي القومية ومسلماً أو مسيحي الديانة. هذه الحالة تشكل تهديداً خطيراً للهوية الدينية الإيزدية وتحريفاً لنقائها الذي ظل بعيداً عن المصالح السياسية.
فضلاً عن ذلك، هناك معضلة قانونية ستواجه المسودة فيما يتعلق بتعريف القومية الإيزدية. سيكون تحديد اللغة ركناً أساسياً لجواز استخدام المصطلح إلى جانب الانتماء الديني الإيزدي. هنا سيكون على أصحاب هذه المسودة إيجاد لغة إيزدية لها أبجدياتها وقواعدها المختلفة عن اللغات المعترف بها. وإن كان أصحاب المسودة سيتخذون من اللغة الكوردية كلغة أساسية للهوية القومية الإيزدية، فسيقعون في مشكلة أكبر وهي كيفية الاعتراف بهوية بعض الأفراد الإيزديين الذين لا يتقنون اللغة الكوردية. فهنا سيقوم المشرع بإقصائهم من الحقوق السياسية التي ستمنح إلى أبناء القومية الإيزدية، وذلك بسبب عدم اكتمال شروط القومية بحقهم، وبالتالي عدم قدرتهم على الترشح للمناصب العليا تحت كوتا "القومية الإيزدية". وإن كان أصحاب المسودة سيتركون الباب مفتوحاً أمام اللغات وعدم تحديدها في القانون، فستسقط مصطلح القومية وستبقى صفة الهوية الدينية فقط.
إذا كان أصحاب هذا المصطلح صادقين في نواياهم تجاه الإيزديين، لكانوا قدموا مسودات قانونية عديدة تهدف فعلاً إلى حماية الإيزديين، مثل تجربة مؤسسة "ايزدينا" التي أصدرت مسودة قانون "هاوارسايد" في شمال شرق سوريا. احتوت هذه المسودة على قوانين ومقترحات تهدف إلى حماية الإيزديين وتعزيز حقوقهم، لكن "هاوارسايد" لم يكن قانوناً سياسياً، بل مسودة قانون تهدف إلى تعزيز حقوق الإيزديين، شبيهة بقانون معاداة السامية الذي يلزم معظم دول العالم ببنود حماية اليهود.
ربما يتساءل البعض لماذا نتدخل كإيزديين سوريين في مسودة قانون قد لا يؤثر علينا بشكل مباشر؟ الجواب هو أن سحب الانتماء القومي الكوردي ليس قراراً يمتلكه فرد واحد أو كيان سياسي معين، بل هو قرار مجتمعي وديني. القانون الذي سيلغي عني الانتماء الكوردي، وإن لم يكن ملزماً قانونياً لإيزديي سوريا، سأرفضه لأن تداعياته السياسية والمجتمعية ستتجاوز الحدود وتؤثر على كل إيزدي لم تتم استشارته بشأن هذا المقترح.
من حق الأطراف الإيزدية التي تقدمت بالمقترح أن تسعى لتحقيق مكاسب سياسية داخل العراق، ولكن هذا يجب ألا يكون على حساب الإساءة إلى الدين الإيزدي والإيزديين. لذا، يتعين على الجهات التي أصدرت المسودة إعادة النظر بعمق في التأثيرات السلبية المحتملة على الدين والمجتمع الإيزدي. يجب أن يكون الحفاظ على الهوية الدينية الإيزدية والمرجعية الروحانية هو الهدف الرئيسي، بدلاً من السعي وراء مكاسب سياسية قصيرة الأمد في بغداد. علينا في هذه المرحلة أن نتطلع جميعاً إلى حوار مجتمعي مفتوح وشامل يضمن حماية حقوق الإيزديين واحترام تراثهم الديني والتاريخي.